كيف تتعامل مع شريك قليل التعبير عن مشاعره؟
التعبير عن المشاعر ليس مهارة يولد بها جميع الناس. بعضهم يعبّر بسهولة ودفء، وبعضهم يحتفظ بمشاعره داخله كأنها ملكية خاصة لا تُشارك بسهولة. هذا لا يعني أنه لا يحب، أو لا يهتم، أو لا يرى قيمتك. بل يعني ببساطة أنّ طريقته في الحب مختلفة، وأن التواصل معه يحتاج مفتاحًا خاصًا.
في هذا المقال سنقترب من عالم الشريك قليل التعبير عن مشاعره، نفهم أسبابه، ونشرح كيف يمكن التعامل معه بطريقة ذكية، رقيقة، وفعّالة، بحيث نحافظ على العلاقة ونساعده في الوقت ذاته على فتح قلبه تدريجيًا.
جدول المحتويات
1. لماذا يكون بعض الناس قليلين التعبير عن مشاعرهم؟
هناك عدة أسباب تجعل الشخص يميل إلى “الصمت العاطفي”. معرفتها يساعد على التعامل معه بوعي أكبر، بدلًا من الحكم عليه أو سوء فهمه.
1) التربية الصارمة أو الجافة
الكثيرون تربّوا على فكرة أن “المشاعر ضعف”، أو أن “الرجل لا يبكي”، أو أن الحديث عن العاطفة شيء غير ضروري. كبروا وهم يشعرون أن التعبير العاطفي يعرّيهم، أو يجعلهم أقل قوة.
2) تجارب سابقة مؤلمة
البعض تعرّض للرفض أو الاستهزاء أو جرح عاطفي عميق، فتعلم أن السلامة في الصمت. التعبير بالنسبة له ليس سهلاً، بل يوقظ مخاوف قديمة.
3) شخصية منطوية أو تحليلية
هناك شخصيات بطبيعتها تحتاج وقتًا قبل التعبير. هي تفكّر كثيرًا قبل الكلام، وتحب أن تشعر بالأمان قبل فتح قلبها.
4) اختلاف لغة الحب
قد يعبر عن مشاعره بالأفعال وليس بالكلمات:
– يساعدك – يقف إلى جانبك – ينجز أمورًا من أجلك – يوفر احتياجاتك
لكن لا يقول: “أحبك” كثيرًا.
5) صعوبة في تسمية المشاعر
بعض الناس يشعرون لكن لا يعرفون كيف يصيغون ما يشعرون به. كما لو أن اللغة العاطفية بالنسبة لهم لغة أجنبية.
2. ما الذي يحدث للطرف الذي يحتاج تعبيرًا عاطفيًا أكبر؟
الشريك الذي يقدّر الكلمات والإفصاح يعيش تحديات حقيقية:
- يشعر أنه غير مهم أو غير مرئي.
- يبدأ في الشك في مشاعر الطرف الآخر.
- تزداد مقارناته بعلاقات الآخرين.
- قد يتولد داخله إحباط أو جرح عاطفي.
- أحيانًا يشعر أنه هو الوحيد الذي يبذل وينفتح.
هذه المشاعر طبيعية ومفهومة. لذلك التعامل مع شريك قليل التعبير ليس مجرد “تقبل”، بل يحتاج توازنًا دقيقًا بين فهمه… والمحافظة على مشاعرك أنت أيضًا.
3. كيف تتعامل بذكاء ونضج مع شريك قليل التعبير عن مشاعره؟
1) افهم طريقته في الحب أولًا
قد لا يقول الكثير، لكنه ربما:
– يهتم بتفاصيلك الصغيرة – يسأل إن كنت بخير – ينجز لك أمورًا بدون طلب – يظهر في المواقف التي تحتاجه
راقب أفعاله، ستجد لغة حب واضحة لكنها مختلفة.

2) لا تفسّر الصمت بأنه رفض أو برود
الصمت عند البعض ليس نفورًا… بل أسلوب حياة. لو بدأ عقلك يفكر في أسوأ السيناريوهات، تذكر أن ذلك مجرد خوف داخلي وليس حقيقة.
3) استخدم لغة واضحة ولطيفة لطلب ما تحتاجه
بدلًا من:
“أنت لا تعبر عن مشاعرك!”
قل:
“أحب أن تقول لي كلمات جميلة… تشعرني بالأمان.”
الفرق كبير بين اللوم والطلب اللطيف. الأول يغلق القلب، والثاني يفتحه.
4) لا تطلب منه أن يصبح نسخة منك
لا تتوقع أن يتحول فجأة إلى شخص شديد التعبير. هو سيبذل جهده، لكن بطريقته وبسرعته. قبول اختلافه جزء مهم من علاقة صحية.
5) احترم طريقته في التعامل مع مشاعره
بعض الناس يحتاج وقتًا لمعالجة ما يشعرون به قبل التحدث عنه. إعطاؤه هذا الوقت يساعده على الانفتاح أكثر، وليس الاختفاء.
6) استخدم “لحظات الأمان” لفتح الحوار
اختر وقتًا هادئًا. ليس أثناء خلاف، ولا عند التوتر. قل له ببساطة:
“أشعر بالراحة عندما نتحدث عن مشاعرنا… وأريد أن نقترب أكثر.”
7) امدحه عندما يقوم بمبادرة عاطفية
لو عبّر—حتى لو بشكل بسيط—أظهر له أنك تقدر ذلك. التشجيع الإيجابي يساعده على تكرار الأمر.
8) لا تقارن ولا تجرحه بمشاعر الآخرين
قول مثل: “فلان يعبر أكثر منك.” يدخله في حالة دفاع ويجعل التعبير أصعب. المقارنة تؤذي، ولا تُصلح.
9) اصنع مساحة آمنة للعاطفة
الشخص قليل التعبير بحاجة لشعور داخلي يقول له:
“لن يتم الحكم عليك… تستطيع أن تكون كما أنت.”
المساحة الآمنة تُفتح بالصبر، اللطف، وتجنب السخرية والاستهزاء.
4. ماذا تفعل إذا كنت أنت الطرف الذي يحتاج كلمات ودفئًا؟
من المهم ألا تهمل احتياجاتك العاطفية، فالعلاقة الصحية تُبنى على التوازن.
1) عبر عن احتياجاتك بوضوح
بدون ضغط أو تهديد. فقط بصراحة لطيفة:
“أنا أزدهر بالكلمات اللطيفة… هي تغذي قلبي.”
2) لا تنتظر منه أن يفهم كل شيء دون شرح
بعض الناس يحتاجون توضيحًا مباشرًا. قولك “أحتاج هذا” أفضل من انتظار الإشارات غير المفهومة.
3) امنح نفسك مصادر متعددة للدعم العاطفي
الصداقات، الهوايات، العائلة… حياتك العاطفية لا يجب أن تعتمد فقط على الشريك.
4) مارس “الإشباع الذاتي للمشاعر”
تقديرك لنفسك، كلامك الإيجابي لنفسك، رعايتك لذاتك… كلها تخفف ضغط الحاجة إلى تعبير خارجي مستمر.
5) قيّم العلاقة بواقعية
إن كان الصمت العاطفي مؤذيًا جدًا لك، ولا هناك أي تغيير رغم الحوار والتفاهم والصبر… حينها تحتاج تقييم مدى انسجامكما على مستوى الاحتياجات النفسية.
5. إشارات تدل على أن الشريك يحبك… وإن لم يقلها
- ينصت لك عندما تتحدث.
- يخطط لمستقبلكما دون أن ينتبه.
- يتذكّر ما يضايقك ويتجنبه.
- يحاول إسعادك بطرق بسيطة.
- يظهر في اللحظات الصعبة.
- يحترمك ولا يقلل من قيمتك.
- يعتذر عندما يخطئ و لو بصعوبة.
هذه العلامات قد تكون “أنا أحبك” ولكن بلهجة مختلفة.
6. كيف تساعد شريكك على التعبير دون ضغط؟
1) شارك مشاعرك أنت أولًا
التعبير عادة معدية. عندما تتحدث أنت عن مشاعرك براحة، يشعر هو أن الأمر طبيعي وغير مُخيف.
2) اسأله أسئلة مفتوحة
بدلًا من: “هل أنت بخير؟” (يجيب بنعم أو لا) قل:
“كيف كان يومك؟ ما أكثر شيء أرهقك؟”
3) امتدح شجاعته في التعبير
قول مثل:
“أقدّر أنك شاركتني هذا… أعرف أنه ليس سهلاً بالنسبة لك.”
يمنحه دفعة نفسية قوية.
4) لا تستخدم مشاعره لاحقًا كسلاح
من أكبر أسباب صمت الشريك هو الخوف من أن تُستخدم كلماته لاحقًا في شجار. لو ضمن أنك لا تفعل ذلك، سيشعر بالأمان.
5) لا تستعجل النتائج
التغيير العاطفي تدريجي. إجبار الباب على الفتح قد يكسره… بينما فتحه بهدوء يجعله يبقى مفتوحًا دائمًا.
7. متى يصبح الصمت العاطفي خطرًا؟
هناك حالات قد تشير إلى مشكلة أعمق:
- عندما يرفض الاستماع تمامًا.
- عندما يسخر من مشاعرك أو يقلل منها.
- عندما يستخدم الصمت كعقاب.
- عندما لا يظهر أي اهتمام بجهودك للتقريب.
- عندما يتحول الصمت إلى برود وانسحاب كامل.
في هذه الحالات، الصمت ليس مجرد “اختلاف شخصيات” بل مشكلة تحتاج نقاشًا صريحًا وربما مساعدة خارجية.
8. خلاصة: الحب ليس لغة واحدة
التعامل مع شريك قليل التعبير عن مشاعره ليس معركة… بل رحلة تعلّم. رحلة نفهم فيها أن الناس يحبّون بطرق مختلفة، وأن القلب ليس بالضرورة صاخبًا كي يكون صادقًا.
ربما لا يقول الكثير، لكنه يبذل الكثير. وربما لا يعبر بالكلمات، لكنه يعبر بالرعاية، بالوقت، بالمساندة.
والمفتاح الحقيقي للعلاقة هو مزيج من:
فهمه، قبول اختلافه، طلب احتياجاتك، وبناء مساحة آمنة ليكبر فيها حبكما معًا.
في النهاية… ليس المهم أن يحب كما نحب نحن، بل أن نلتقي في منتصف الطريق.

