You are currently viewing مراجعة كتاب: إحياء التواصل بعد القطيعة مع ابنك البالغ

مراجعة كتاب: إحياء التواصل بعد القطيعة مع ابنك البالغ

تأليف: تينا غيلبرتسون
عنوان فرعي: طرق ونصائح عملية لتضميد شرخ العلاقات مع ابنك المنفصل عنك

في زمن تتسارع فيه التغيرات الاجتماعية والعاطفية، لم تعد العلاقات العائلية محصنة من التصدعات المؤلمة. ومن بين أكثر تلك التصدعات قسوة، تلك التي تحدث بين الآباء وأبنائهم البالغين، حين تصل العلاقة إلى قطيعة تامة، ويصعب مدّ الجسور من جديد.

الكاتبة والمعالجة النفسية تينا غيلبرتسون تتناول هذا الموضوع الشائك في كتابها المؤثر والعميق:
“إحياء التواصل بعد القطيعة مع ابنك البالغ”
والذي يقدم نظرة دقيقة وحساسة مدعومة بخبرة ميدانية، تساعد الآباء على فهم أسباب القطيعة، ومعرفة كيف يمكنهم البدء في عملية الشفاء وإعادة الاتصال.

لماذا هذا الكتاب مهم؟

لأنه يتعامل مع أحد أكثر المواضيع إيلامًا وحساسية: انقطاع العلاقة بين الوالدين وأبنائهم البالغين.
الكتاب لا يقدّم حلولًا سريعة أو سحرية، بل يدعو إلى التروّي، والتفهّم، والعمل الداخلي العميق، بهدف ترميم العلاقة بشكل حقيقي ودائم.

الفكرة المركزية في الكتاب

القلب لا يُجبر، لكنه يُفهم.
هذه العبارة تلخّص روح الكتاب. فالأبناء لا ينفصلون عن أهلهم عبثًا، وغالبًا ما تكون القطيعة نتيجة لتراكمات طويلة من الألم أو الشعور بعدم الفهم أو الانتهاك العاطفي.

غالبيّة الآباء لا يدركون حجم الأثر الذي خلّفوه في أبنائهم، سواء عن قصد أو دون قصد، ويشعرون بالخذلان عندما يتخذ الابن قرار القطيعة.
الكتاب يساعد هؤلاء الآباء على أن يتحولوا من موضع “المجروح” إلى موضع “المدرك”، ومن الرغبة في “استعادة الابن” إلى السعي نحو “فهم ما حدث بالفعل”.

أبرز المحاور التي يتناولها الكتاب

1. فهم القطيعة دون إنكار

يبدأ الكتاب بدعوة الآباء إلى الاعتراف بالواقع، بدلًا من مقاومته. الإنكار أو التبرير لا يفيدان في هذه المرحلة، بل المطلوب هو التفهم العميق لسبب القطيعة.

2. تحليل الأسباب النفسية من جهة الابن

تينا تشرح كيف يشعر الكثير من الأبناء بأن أصواتهم لم تُسمع، أو أن احتياجاتهم العاطفية لم تؤخذ على محمل الجد، مما يولد لديهم جروحًا دفينة قد لا تظهر إلا في سن البلوغ، حين يصبح لديهم حرية الانفصال.

3. كسر حلقة اللوم والدفاع

أحد أبرز الأفخاخ التي يقع فيها الآباء هو محاولة “شرح موقفهم” بدلًا من الاستماع الحقيقي. الكاتبة توضح أن الدفاع عن النفس مبكرًا يعمّق الجرح بدلًا من معالجته.

4. مبادئ التواصل التصالحي

الكتاب يقدّم نصائح عملية لكتابة رسائل إعادة التواصل، بأسلوب لا يتضمن لومًا أو استجداءً، بل يظهر الاحترام والمسؤولية.
من الأمثلة:

“أنا آسف إذا كان ما فعلته أو لم أفعله قد تسبب لك بألم. أريد أن أفهم، لا لأدافع، بل لأصغي.”

5. العمل الداخلي قبل المبادرة

تشدد غيلبرتسون على أهمية أن يعمل الأب أو الأم على أنفسهم أولًا، على فهم مشاعرهم، والتحرر من شعور الذنب أو الكراهية، قبل محاولة إعادة التواصل.

أسلوب الكتاب

الأسلوب بسيط، دافئ، ومباشر. تينا تكتب كمعالجة نفسية تدرك عمق الألم، وكإنسانة تحترم مشاعر كل الأطراف.
الكتاب مليء بأمثلة حقيقية من جلسات علاجية، ورسائل بين آباء وأبناء، مما يمنح القارئ منظورًا واقعيًا وقابلًا للتطبيق.

لمن يُنصح بهذا الكتاب؟

  • لكل أب أو أم يعانيان من انقطاع العلاقة مع ابنهما أو ابنتهما البالغة.
  • لمن يشعر بالحزن أو الغضب أو الارتباك من هذه القطيعة، ولا يعرف من أين يبدأ.
  • لأي شخص يريد أن يتعلّم فن الاعتذار العاطفي والتواصل الشافي.

نقاط القوة في الكتاب

  • لا يحمّل طرفًا واحدًا المسؤولية.
  • يعطي أدوات عملية قابلة للتطبيق.
  • يركّز على التغيير من الداخل أولًا.
  • يحتوي على أمثلة حيّة تُشعر القارئ أنه ليس وحيدًا.

“إحياء التواصل بعد القطيعة مع ابنك البالغ” ليس مجرد كتاب عن العلاقات العائلية، بل هو رحلة نحو التصالح مع الذات قبل الآخرين.
تينا غيلبرتسون لا تعد القارئ بأن الأمور ستُحل سريعًا، لكنها تقدم له طريقًا حقيقيًا لفهم ما حدث، وماذا يمكن فعله الآن، دون أن يفقد كرامته أو أمله.

في زمن كثرت فيه المسافات داخل الأسرة الواحدة، يأتي هذا الكتاب كدليل ناضج وصادق لكل من يريد أن يفتح قلبه من جديد، لا ليُعيد الماضي، بل ليبني علاقة جديدة قائمة على الاعتراف، الاحترام، والنضج.