You are currently viewing الحساسية الزائدة وأثرها في السلامة النفسية

الحساسية الزائدة وأثرها في السلامة النفسية

الحساسية الزائدة ليست مجرد صفة شخصية عابرة، بل قد تكون نمطًا دائمًا في التفكير والشعور، له أثر عميق في جودة الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية والنفسية.

فمن يتسمون بالحساسية الزائدة لا يعانون فقط من “رقة المشاعر”، بل قد يواجهون تحديات حقيقية تمسّ توازنهم النفسي، وقدرتهم على التفاعل بثقة مع المحيط.

في هذا المقال، نسلّط الضوء على مفهوم الحساسية الزائدة، وكيف تؤثر على السلامة النفسية، وما الطرق العملية للتعامل معها دون قمعها أو الاستسلام لها.

أولاً: ما هي الحساسية الزائدة؟

الحساسية الزائدة تشير إلى استجابة عاطفية شديدة أو متضخمة تجاه مواقف أو كلمات قد تكون عادية بالنسبة للآخرين. الشخص الحساس يتأثر بسرعة، ويتألم بعمق، ويفكر كثيرًا في المواقف التي مرّ بها، وقد يعاني من صعوبة في تجاوز الكلمات الجارحة أو النقد.

الحساسية الزائدة لا تعني الضعف، لكنها قد تتحول إلى عبء إذا خرجت عن نطاق السيطرة، وأثّرت على نظرة الفرد لنفسه وعلاقاته.

ثانيًا: مظاهر الحساسية الزائدة

قد تختلف مظاهر الحساسية من شخص لآخر، لكنها تتضمن غالبًا:

  • التأثر الشديد بالنقد، حتى وإن كان بنّاءً.
  • القلق المفرط بشأن نظرة الآخرين.
  • الاجترار الفكري للمواقف الماضية (“لماذا قال ذلك؟ هل كنت مخطئًا؟”).
  • الانسحاب من العلاقات أو المواقف الاجتماعية خوفًا من الإحراج أو الرفض.
  • صعوبة في تقبّل المزاح أو الملاحظات العابرة.

هذه المشاعر ليست دائمًا تحت السيطرة، وقد يشعر الشخص بأنه محاصر داخل دوامة من الحساسية المفرطة والقلق المستمر.

ثالثًا: أثر الحساسية الزائدة على السلامة النفسية

1. القلق والتوتر المزمن

الحساس مفرط التفكير. يتوقع الأسوأ، ويشعر دائمًا أنه تحت التقييم. هذه الحالة تستهلك طاقته النفسية وتجعله يعيش في توتر شبه دائم.

2. انخفاض تقدير الذات

عندما يفسر الإنسان كل نقد على أنه إهانة، ويحمّل نفسه مسؤولية مشاعر الآخرين، يبدأ تدريجيًا بفقدان الثقة بنفسه، ويُسقط قيمته أمام ذاته.

3. العزلة الاجتماعية

لأن التفاعلات الاجتماعية تصبح مرهقة عاطفيًا، قد يفضّل الشخص الحساس تجنّبها. وهذا الانسحاب يزيد من شعوره بالوحدة والانعزال.

4. صعوبة في اتخاذ القرارات

الخوف من الخطأ أو ردود فعل الآخرين قد يجعل الشخص مترددًا في قراراته، حتى في الأمور البسيطة، مما يعيق نموه الشخصي والمهني.

رابعًا: هل الحساسية الزائدة أمر سلبي دائمًا؟

ليس بالضرورة. فالحساسية الزائدة ترتبط غالبًا بالذكاء العاطفي، والقدرة على التعاطف، والانتباه لتفاصيل دقيقة لا يلاحظها غيرهم.

لكن المشكلة تظهر حين تصبح هذه الحساسية سببًا للألم المستمر، والتوتر الداخلي، وعرقلة الأداء النفسي والاجتماعي.

الهدف إذًا ليس “إلغاء” الحساسية، بل تنظيمها، والتعامل معها بوعي، وتحويلها من نقطة ضعف إلى مصدر قوة.

خامسًا: كيف نتعامل مع الحساسية الزائدة بشكل صحي؟

1. تعلّم مهارات الفصل العاطفي

ليس كل كلمة تُقال تستحق أن نتبناها. درّب نفسك على التفريق بين النية والسلوك، وبين النقد الموضوعي والإهانة.

اسأل نفسك: هل ما قيل عني حقيقة؟ أم أنني شعرت به بسبب موقفي الداخلي؟

2. تطوير صوت داخلي داعم

بدل أن تكون قاسيًا على نفسك، كوّن “صوتًا داخليًا” يدعمك. إذا أخطأت، لا توبّخ نفسك بشدة، بل تحدث معها كما تتحدث إلى صديق: بتفهّم، لا بهجوم.

3. إعادة تفسير المواقف

إذا انزعجت من نظرة شخص أو رده، لا تفترض الأسوأ. حاول إيجاد تفسيرات أخرى منطقية: ربما كان مشغولًا، أو متعبًا، أو ببساطة ليس لديه مشكلة معك.

4. تقبّل الذات بكل تناقضاتها

أنت لست مثاليًا، ولا أحد كذلك. عندما تتصالح مع ضعفك، وتفهم أن الخطأ جزء طبيعي من الحياة، تخفّ حدّة الحساسية تدريجيًا.

5. مارس التفريغ النفسي

الاحتفاظ بالمشاعر المؤلمة داخلك يفاقمها. عبّر عنها بالكتابة، أو الحديث مع صديق موثوق، أو مع مختص نفسي إذا لزم الأمر.

6. تعلّم قول “لا”

الشخص الحساس أحيانًا يخشى الرفض فيبالغ في إرضاء الآخرين. لكن تعلم أن تضع حدودك بلطف، دون خوف أو شعور بالذنب.

سادسًا: متى يحتاج الشخص الحساس إلى دعم نفسي متخصص؟

إذا بدأت الحساسية الزائدة تؤثر على نومك، أو عملك، أو علاقاتك، أو بدأت تشعر بأنك غير قادر على التحكم في أفكارك السلبية، فقد يكون من المفيد التواصل مع مختص نفسي.

العلاج المعرفي السلوكي (CBT) من الطرق الفعالة جدًا في التعامل مع الحساسية الزائدة، لأنه يساعد في تعديل أنماط التفكير والمبالغة في التفسير.

الحساسية الزائدة ليست عيبًا، بل سمة نفسية تحتاج إلى فهم ورعاية. لكنها قد تتحول إلى عبء نفسي إذا تُركت دون وعي أو تنظيم.

من خلال تقبّل الذات، وإعادة تأطير المشاعر، واكتساب مهارات التوازن الداخلي، يمكن تحويل الحساسية من مصدر للألم إلى بوابة للوعي، والرحمة، والنضج العاطفي.

فالشخص الحساس ليس ضعيفًا، لكنه يحتاج فقط إلى أدوات تساعده على حماية مشاعره دون أن يعزل نفسه عنها.