قد تواجهنا في الحياة مواقف مؤلمة تهز أعماقنا، مثل فقدان عزيز، أو تجربة فشل قاسية، أو التعرض لحادث أو عنف نفسي أو جسدي. هذه المواقف قد تترك أثرًا عميقًا يُعرف بـ الصدمة النفسية (Trauma)، وتليها مرحلة تُعرف بـ مرحلة ما بعد الصدمة (Post-Traumatic Phase)، حيث يعيش الشخص في حالة من التشتت، والخوف، والانهيار العاطفي، والشعور بفقدان السيطرة على نفسه وحياته.
في هذا المقال، سنتحدث عن معنى الصدمة النفسية، وأعراض ما بعد الصدمة، ثم نعرض خطوات عملية لمساعدة النفس على التعافي والعودة إلى التوازن النفسي.
ما المقصود بمرحلة ما بعد الصدمة؟
مرحلة ما بعد الصدمة هي فترة زمنية تلي الحدث الصادم، يُعاني فيها الفرد من اضطرابات في النوم، ونوبات قلق أو اكتئاب، وتكرار للذكريات المؤلمة، إضافة إلى صعوبة في الثقة بالآخرين أو العودة للحياة بشكل طبيعي.
تختلف مدة هذه المرحلة من شخص لآخر، وقد تستمر لأيام أو شهور أو حتى سنوات إذا لم يتم التعامل معها بشكل سليم.
أعراض مرحلة ما بعد الصدمة
الشعور الدائم بالتوتر والقلق
نوبات بكاء مفاجئة دون سبب واضح
تجنب أماكن أو أشخاص يذكّرون بالحدث
اضطرابات في النوم أو الكوابيس
فقدان الحماس للحياة أو الشعور باللامعنى
ضعف التركيز والعزلة الاجتماعية
نوبات غضب أو انفعالات شديدة
كيف نتجاوز مرحلة ما بعد الصدمة؟ خطوات عملية للتعافي
- الاعتراف بالألم وعدم إنكاره
أول خطوة للتعافي هي أن نمنح أنفسنا الحق في الحزن، في الغضب، في الارتباك. لا بأس أن نعترف بأننا مجروحون، فالتجاهل لا يُشفي، بل يُعمّق الألم.
قل لنفسك: “أنا مررت بشيء صعب، ومن حقي أن أتألم، وسأتعافى تدريجيًا”.
- طلب الدعم وعدم العزلة
الوحدة قد تضاعف الشعور بالضعف، بينما الحديث مع شخص موثوق (صديق، مستشار، معالج نفسي) يُساعدك على التخفيف من الحمل الثقيل بداخلك.
تذكّر: الدعم النفسي ليس ضعفًا، بل قوة ووعي ذاتي.
- إعادة بناء الروتين اليومي
الفوضى تعزز مشاعر الضياع، بينما الروتين يساعد على استعادة الإحساس بالتحكم. ابدأ بأشياء بسيطة: الاستيقاظ في وقت محدد، وجبة متوازنة، تمرين خفيف، لحظة تأمل.
نصيحة: حتى روتين بسيط كتناول الشاي كل صباح يمكن أن يعيد التوازن تدريجيًا.
- ممارسة التنفس العميق وتمارين التأمل
تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق أو التأمل اليومي تساعد على تهدئة الجهاز العصبي وتقليل نوبات الهلع أو القلق.
جرّب: تنفس ببطء لعدّ 4، احبس النفس لعدّ 4، ثم ازفر ببطء لعدّ 6، وكرر.
- تجنب جلد الذات
بعد الصدمة، قد نشعر بالذنب أو نلوم أنفسنا على ما حدث. لكن الحقيقة أن بعض الأمور خارج سيطرتنا، ولا أحد يستحق أن يعاقب نفسه إلى الأبد.
بدلًا من “لماذا أنا؟” اسأل: “كيف أساعد نفسي الآن؟”
- التعبير الإبداعي عن الألم
الكتابة، الرسم، الموسيقى، أو حتى التحدث مع النفس يمكن أن يكون وسيلة رائعة لتفريغ المشاعر المعقدة.
نصيحة: خصص دفترًا تكتب فيه كل ما تشعر به دون رقابة.
- وضع أهداف صغيرة قابلة للتحقيق
بعد الصدمة، يصعب التفكير في المستقبل. لذلك، ضع أهدافًا بسيطة، مثل المشي لمدة 10 دقائق، أو مقابلة صديق، واستمتع بتحقيقها.
النجاحات الصغيرة تبني الثقة بالنفس من جديد.
- التواصل مع الله والتسليم للقضاء
بالنسبة للكثير من الناس، الإيمان والروحانية تلعب دورًا كبيرًا في الشفاء. الدعاء، الصلاة، وقراءة القرآن قد تمنح القلب طمأنينة لا توصف.
قل في دعائك: “اللهم اجبر قلبي، وامنحني الصبر، والرضا، والسكينة”.
- تقبّل فكرة أن التعافي رحلة وليس لحظة
ليس هناك زر سحري يجعل الألم يزول، ولكن هناك طريق ممتد نحو الشفاء. قد تتراجع خطوة، ثم تتقدم خطوتين. هذا طبيعي، والمهم ألا تتوقف.
- الاستعانة بمعالج نفسي عند الحاجة
إذا استمرت الأعراض لأشهر، وأثّرت على حياتك اليومية بشكل كبير، فمن المهم اللجوء إلى متخصص. العلاج السلوكي المعرفي (CBT) مثلاً، أثبت فعاليته في علاج اضطرابات ما بعد الصدمة.
مرحلة ما بعد الصدمة ليست نهاية، بل بداية لرحلة داخلية نحو التعافي والنضج النفسي. لا يوجد شخص يخرج من الألم كما كان قبله، لكن بإمكانك أن تخرج أقوى، أصفى، وأكثر وعيًا بذاتك.