في زمن تزدحم فيه الحياة بالشاشات، وتتنافس الألعاب الرقمية على جذب انتباه الأطفال، تبقى القراءة واحدة من أعظم الهدايا التي يمكن أن تقدمها لطفلك. ليست القراءة مجرد وسيلة تعليمية، بل هي أداة لتوسيع الخيال، وتنمية التفكير، وبناء شخصية قوية، وفضولية، ومبدعة.
لكن يبقى السؤال: كيف يمكن للوالدين أن يجعلوا القراءة عادة محببة لأطفالهم؟ وكيف نحول الكتاب من “واجب” إلى “رغبة”؟ إليك خطوات وأساليب مجربة يمكن أن تزرع حب القراءة في قلب الطفل من السنوات الأولى، وترافقه مدى الحياة.
أولاً: ابدأ مبكرًا… أبكر مما تعتقد
القراءة للطفل يمكن أن تبدأ منذ أيامه الأولى، حتى قبل أن ينطق أو يفهم الكلمات. سماعه لصوتك وأنت تقرأ له قصصًا قصيرة بلغة هادئة ومحببة يربط بين القراءة والشعور بالأمان والحنان.
كلما بدأ الطفل في سماع الكتب مبكرًا، كلما أصبحت القراءة جزءًا طبيعيًا من روتينه، وليست مهمة مفروضة عليه لاحقًا.
ثانيًا: كن قدوته الأولى
الطفل يلاحظ أكثر مما يسمع. إذا رآك تمسك كتابًا، أو تستمتع بقراءة جريدة، أو تناقش ما قرأته، سيشعر أن القراءة أمر جذاب وممتع.
لكن إذا كانت الشاشات هي المسيطرة في البيت، والكتب مهملة، فسيصعب إقناعه بأن القراءة شيء يستحق الوقت. كن قدوة حقيقية، لا تطلب منه القراءة وأنت لم تفتح كتابًا منذ أشهر.
ثالثًا: اجعل من القراءة لحظة عاطفية
لا تجعل القراءة واجبًا دراسيًا أو أمرًا تأديبيًا. اجعلها لحظة دافئة بينك وبين طفلك. اقرأ له قبل النوم، أو أثناء فترات الهدوء في اليوم.
اختر نبرة صوتك بعناية، وغيّرها حسب الشخصيات في القصة. تفاعل مع المشاعر، واجعل القراءة أشبه بالمسرح الصغير الذي يتكرر كل يوم.
رابعًا: وفّر له مكتبة بسيطة في متناول يده
خصص زاوية صغيرة في البيت لوضع الكتب، تكون بمستوى نظر الطفل، وبألوان جذابة. لا تحتاج إلى ميزانية كبيرة، فقط بعض الكتب القصصية، المصورة، وأخرى تناسب اهتماماته.
عندما يرى الكتب حوله، ويتعامل معها بحرية، يشعر أنها ملكه، وليست شيئًا غريبًا عليه.
خامسًا: اختر الكتب حسب العمر والميول
الكتب ليست جميعها مناسبة لكل طفل. لا ترهق طفلك بكتب أعلى من مستواه، ولا تجبره على قراءة ما لا يستهويه.
إذا كان يحب الحيوانات، ابحث عن قصص عن الغابة. إن كان يميل إلى الفكاهة، فاختر كتبًا طريفة. كلما شعر أن محتوى الكتاب يلامس اهتماماته، اقترب خطوة إضافية من حب القراءة.
سادسًا: ناقشه ولا تختبره
بعد الانتهاء من القصة، لا تحوّل الأمر إلى امتحان: “ماذا فهمت؟ من كان البطل؟” بدلًا من ذلك، ناقشه بود: “ما رأيك في تصرف هذا الطفل؟ لو كنت مكانه، ماذا كنت ستفعل؟”
الحوار بعد القراءة يفتح أبواب التفكير، ويعزز علاقة الطفل بالنصوص، دون أن يشعر أنها عبء أو اختبار.
سابعًا: اربط الكتب بالأنشطة الحياتية
إذا قرأتم معًا قصة عن المزرعة، اصطحبه في زيارة إلى مزرعة فعلية. إن قرأ عن الفضاء، شاهدوا معًا مقطعًا وثائقيًا عن الكواكب. هذا الدمج بين القصص والواقع يجعل الكتاب حيًا في ذهن الطفل، ويقوي صلته به.
ثامنًا: استخدم التكنولوجيا بذكاء
ليس كل استخدام للشاشات سيئًا. هناك تطبيقات ممتازة تقدم كتبًا تفاعلية، أو كتبًا صوتية، أو قصصًا ملونة تقرأ بصوت راوٍ محترف.
استخدام هذه الأدوات بشكل منظم يمكن أن يدعم عادة القراءة، لا أن يعيقها، خاصة لدى الأطفال الذين يميلون للتفاعل الحركي أو السمعي أكثر من البصري.
تاسعًا: امنحه حرية اختيار الكتاب
في المكتبة، لا تكن صارمًا في تحديد ما يختاره. حتى لو اختار كتابًا بسيطًا أو مكررًا، امنحه حق التجربة. المهم أن يشعر بالاستقلالية وأن اختياره محترم.
ومع الوقت، تتطور ذائقته ويصبح أكثر وعيًا بأنواع الكتب والمحتوى الذي يناسبه.
عاشرًا: اجعل القراءة عادة أسرية
خصصوا وقتًا أسبوعيًا في البيت للقراءة الجماعية، حيث يقرأ كل فرد كتابه المفضل. يمكن أن تقرؤوا قصة وتتناقشوها على طاولة الغداء.
بهذا الشكل، تصبح القراءة نمط حياة، لا نشاطًا فرديًا معزولًا.
زرع حب القراءة في قلب الطفل ليس مهمة سريعة، بل هو استثمار طويل الأمد. يبدأ بخطوات صغيرة يومية، ويتطلب صبرًا، وتدرجًا، وفهمًا لاهتمامات الطفل.
لا يتعلق الأمر بتعليم الطفل القراءة فقط، بل بجعلها جزءًا من عالمه، ومصدرًا للمتعة والفهم، ونافذة يطل منها على عوالم جديدة.
حين ينجح الوالدان في ذلك، يكونان قد قدّما لأطفالهما هدية ستظل تنير طريقهم طوال حياتهم.
أمثلة على كتب مناسبة حسب الفئة العمرية
اختيار الكتاب المناسب لعمر الطفل يجعل القراءة أكثر جذبًا ومتعة. إليك قائمة مقترحة لبعض الكتب والأنواع المناسبة لكل مرحلة:
من عمر 0 إلى 3 سنوات (مرحلة ما قبل النطق)
- نوع الكتب: كتب قماشية، كتب صوتية، كتب الصور الكبيرة مع كلمات قليلة.
- أمثلة:
- “وجوه وأصوات الحيوانات”
- “كتابي الأول – الألوان”
- “أين اختفى الأرنب؟” (كتب المفاجآت والخبايا)
من عمر 3 إلى 6 سنوات (مرحلة ما قبل المدرسة)
- نوع الكتب: قصص قصيرة، كتب مصورة برسائل بسيطة، كتب بها إيقاع أو قافية.
- أمثلة:
- “أريد أن أكون طويلًا” – قصة عن الطموح بطريقة مرحة.
- “جورج القرد الفضولي”
- “حكايات جدي” – قصص مستوحاة من التراث العربي بلغة سهلة.
من عمر 6 إلى 9 سنوات (بداية القراءة المستقلة)
- نوع الكتب: قصص مغامرات، كتب بها حوارات، سلسلة شخصيات.
- أمثلة:
- “يوميات طفل جبان” (النسخة العربية)
- “قصص خيالية من العالم”
- “حكايات الأخوين غريم” – مبسطة للأطفال
من عمر 9 إلى 12 سنة (مرحلة بناء التذوق القرائي)
- نوع الكتب: روايات قصيرة، كتب معلوماتية مبسطة، كتب فكاهية.
- أمثلة:
- “مغامرات أليس في بلاد العجائب”
- “أسرار العلوم للأطفال”
- “رحلات جلفر” – نسخة مخصصة للأطفال
من عمر 12 سنة فما فوق (القرّاء المتقدمون)
- نوع الكتب: روايات خيالية، كتب تاريخية مبسطة، كتب تطوير الذات للمراهقين.
- أمثلة:
- “هاري بوتر” – مترجمة للعربية
- “كليلة ودمنة” – مبسطة
- “كيف تدير وقتك؟” – كتب مهارات موجهة للفئة الناشئة
ملاحظة:
يفضَّل دائمًا تصفح الكتاب قبل شرائه، وقراءة نبذة عنه أو مراجعته إن كانت متوفرة، للتأكد من ملاءمته ثقافيًا وسلوكيًا للطفل.